من خِصالِ البرّ

بسم الله الرحمن الرحيم

من خِصالِ البرّ

قال الله تعالى: (لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّىٰ تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ)

(تنالُوا)؛ تبلغوا وتصلوا، (البِرّ)؛ هو جِماعُ كلّ خير وكمالُه، وبرُّ الله: رضوانُه ورحمتُه وجِنانُه، ولا يُتوصل إليه إلا بطاعته، ومِن طاعته الموصلة إلى بره، إنفاقُ المرء ممّا يحب؛ كما ذكرت الآية، والمعنى: لن تصلوا إلى البر وتبلغُوا غايته حتى تنفقوا من أنفس ما عندكم. 
(مِمّا تُحبّون)؛ مِن بعضِ ما تحبون، وما تحبون عامّ، يشملُ الإنفاقَ والمواساةَ مِن كلّ ما يحبه المرء، وخصالُه متنوعة عديدة؛ فكما يكون البرّ بإنفاق المرء مما يحب من ماله، كما هو المتبادر، يكون بإنفاقه مِن جاهه، أو نصحه، أو من مشورته وخبرته فيما يُحسنه، فقيهًا كان أو داعيةً، أو كان مِن أهل الطب أو القانون أو الاقتصاد، أو الرأي في الحكم وسياسة الأمة. 
ويكونُ البر كذلك بما ينفقهُ مِن خِدمة بدنه، يعينُ الناس ويقضي حوائجَهم، ويتطوع ويشارك فيما ينفعهم؛ بنصرةِ المظلومِ، والتنفيس عن المكروبِ، والمجاهدة في تثبيت الحقوقِ والدفاع عنها؛ حقوق المظلومين أو حقوق الوطن بأسره، يكشفُ التلبيس، ويزيلُ التشويهَ والتدليس.
ويكون البر بإغاثة الملهوف؛ الفقيرِ والنازح والضعيف والمريض، وأَعلَى ذلك كله في خصال البر وأنبله وأشرفه وأحبّه إلى الله؛ بذلُ النفس والمال في سبيلِ الله؛ لنصرةِ دينه.
ومن فاته هذا في خصال البر أو شيءٌ منه، وعجزَ عنه، يجده في حسنِ الخلقِ، فقد عرّفَ النبيّ صلى الله عليه وسلّم البرّ بحسن الخلق؛ ففي الصحيح من حديث النوَّاسِ بنِ سمعانَ رضي الله عنه عن النبيّ صلى الله عليه وسلّم قال : (البِرُّ حُسنُ الخُلُقِ). 
بذل شيءٍ ممّا ذُكرَ يصلُ به المرأُ إلى غاية البر، لكن بشرطين:
- إذا كان الذي يبذلُه محبوبًا إليه، تضِن به نفسه، وآثرَ به غيرَه؛ لأنّ بذلَ المحبوبِ دونَ مقابل، علامةٌ على سخاءٍ لوجهِ الله غيرِ متصنَّع. 
- أن يكونَ الباعثُ عليه الاحتساب ورجاءُ الثواب.

والبرّ للرحمِ والقراباتِ أعظمُ أجرًا مِن بذلِه للأبعدين. 
ففي الموطّأ وغيره مِن صحيح السنّة؛ لمّا نزلت: (لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّىٰ تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ)، جاء أبو طلحة فقال: يا رسولّ الله؛ إِنَّ أَحَبَّ أَمْوَالِي إِلَيَّ بَيْرَحَاءُ (حديقةٌ بها ماءٌ عذبٌ وشجرٌ وثمرٌ)، وَإنّي أَرْجُو بِرَّهَا وَذُخْرَهَا عِنْدَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَضَعْهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ حَيْثُ أَرَاكَ اللَّهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: بخٍ بَخٍ، ذَاكَ مَالٌ رَابِحٌ، ذَاكَ مَالٌ رَابِحٌ، وَقَدْ سَمِعْتُ مَا قُلْتَ، وإِنِّي أَرَى أَنْ تَجْعَلَهَا فِي الأَقْرَبِينَ، فوضَعَها أبو طلحة في قرابتِه مِن الأنصارِ، وكانوا أصحابَ مالٍ، منهم حسّان بنُ ثابت وأُبَيّ وعبد الرحمن.
وجاءَ زيدُ بنُ حارثةَ بفرسٍ كان يحبُّها، فقال: هذهِ في سبيلِ الله، فحملَ عليْها رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أسامةَ بنَ زيد، أي: أعطاها لابنِ المتصدقِ، فقالَ زيد: إنّما أردتُ أن أتصدَّقَ بها، فقال صلى اللهُ عليه وسلّم: إنّ اللهَ قد قبلَها منكَ.
وهذا نصٌّ مِن الوحي في أنّ النفقةَ على الرحمِ والقرابةِ أعظم أجرًا؛ لأنّ النبيّ صلى الله عليه وسلّم هوَ المبيّن لكتابِ الله، وقد بيّن لنَا ما يوصلُ إلى البرِّ، الذي هوَ مرضاةُ الله.

 

وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم

 

الصادق بن عبد الرحمن الغرياني 
السبت 10 رمضان 1436 هـ 
الموافق 27 يونيو 2015 م 

التبويبات الأساسية