(عودةُ الظلامِ للعاصمة)

بسم الله الرحمن الرحيم

(عودةُ الظلامِ للعاصمة)

 

استوقفني سؤالٌ موجّه للدار، يقول: عند انقطاعِ التيارِ الكهربائي لساعات طويلة، وطرحِ الأحمالِ عن منطقةٍ لتغذيةِ منطقةٍ أخرى؛ هناكَ مَن يوصلُ التيار من جهتين، عن طريق ما يسمى (مفتاح قلّاب)، بحيثُ يؤمّن لنفسه التيار طولَ الوقت؛ فما حكم هذا العمل؟

قلتُ فيما مضَى، وأعيد للذكرى؛ (فَإنَّ الذّكرَى تنفَعُ المُؤمِنينَ).

يجبُ دائمًا لإصلاحِ ما فسدَ علاجُ الأسباب، لا علاجُ الأعراض؛ فإنّ علاجَ الأعراضِ، مع غضّ النظرِ عن الأسبابِ؛ فشل محقق، وضرر مؤكد ، يرشدُنا إلى هذا القرآنُ العزيز، فإنّ الله تعالى عندما يأمرُ بحفظِ المال، يقول: (ولَا تؤْتُوا السُّفهَاءَ أَموَالَكُم)، وعندَما يأمرُ بالعفة وحفظ الفروجِ، يقولُ: (قلْ للمؤمنِينَ يغضُّوا مِن أبْصارِهِم)، وعندَما ينهَى المشركِين عن سبِّ الله تعالَى؛ عدوانًا وجهلًا، يقول للمسلمين: (ولَا تَسبُّوا الّذينَ يدْعُونَ مِن دونِ اللهِ فيَسُبّوا اللهَ عَدْوًا بغيرِ عِلمٍ).

هذا هو المنهجُ القرآنيُّ لعلاجِ الفساد، يكونُ بقطعِ أسبابِه، لا بتسكينِ أوجاعِه، وعقلاءُ الأرضِ - الذينَ انقادَت لهم الدنيا - هم أيضًا نراهُم يأخذونَ بعلاج القرآن؛ علاج الأسبابِ؛ لأن علاج الأعراض بالمسكنات، لا يزيد معه الداءُ إلا استفحالا، حتى يفترسَ الضحيةَ، ويُلقيها جثةً هامدةً.

الواجبُ الشرعيُّ حيالَ مشكلةِ الكهرباءِ، التي خيّمت بسوادها  البغيض مِن جديدٍ، أَمرانِ؛

الأول: مطلوبٌ مِن مؤسسة الكهرباء، وهو أن تُعلن في بياناتٍ رسمية، تتكررُ في الإعلامِ؛ ليعلمها الناسُ جميعا، تعلنُ فيها عنِ السبب الحقيقيّ لمشكلةِ انقطاع التيار، هذه الساعات الطويلة، وعن المناطقِ التي كان منْها سببُ الانقطاع، وعن المانع مِن إصلاحِه، وإذَا تبيَّن أنّه تخريبٌ، فهو الواجب الشرعيّ الثاني.

الواجبُ الشرعيّ الثاني حينها، على المسؤولين في الحكومة والمؤسسات الأمنية؛ أن تتحمّلَ مسؤولياتِها، وتنزلَ أشدّ العقابِ بالمخربينَ وقطاعِ الطرقِ، ولصوصِ الأسلاكِ الكهربائية، أو مَن يقفلون خطوط الغاز المغذية للمحطات، وذلك قبلَ فواتِ الأوان، وألَّا تأخذها مع المجرمين  شفقةٌ ولا رأفةٌ، وعلى كلّ مسلمٍ، في أيّ بقعة من ليبيا، أن يتبرأَ منهم، ومِن أمثالِهم مِن قُطاعِ الطرق، ويرفعَ الغطاءَ عنهم، ولا يُؤويهم، ولا يحميهم، ولا يَتعَاطف معهم، ومَن يتولّهم أو يدافِع عنهم، أو يمنع فرقَ الصيانة مِن أداءِ عملها، تحت أيّ مسمًى؛ قبلية أو جهوية أو هدنة ومصالحة، أو تحتَ أيّ اسم  آخر، فهو منهم، ومصيرُه مصيرُهم؛ (لهم فِي الدنيا خِزيٌ ولهُم في الآخرةِ عذابٌ عظيمٌ)؛ كما أخبرَ اللهُ تعالى عن جزَاء الساعينَ في الأرضِ فسادًا، وليسَ السكوتُ عن هذا مِن الهدنةِ ولا المصالحة، ولا مِن حقن الدماءِ في شيءٍ، بل يُعدّ عُدوانًا وظلمًا وتعديا على عامّة الناسِ، يجبُ رفعُه عنهم بكلّ الوسائلِ، فضرره بالغ، ومصابه جلل، تتعطلُ بسببِه أعمالٌ، ومصانع ومخابز ومؤسسات خدمية وأمنية وصحية ومستشفياتٌ، تتوقف به أجهزة الإنعاش ويتعرض به مرضى الغسيل والفشل للموت وتهلك أنفسٌ، وتفقد أرواحٌ، ويفقد المريض الذي يتعطل استخراج جواز سفره الأمل، كلّ ذلك وغيره يوجِب على ولاةِ الأمر أن يتصدّوا لكل مخرب بما يردعُه، دون ترددٍ ولا تهاونٍ، فقد رأينَا في تقريرِ ديوان المحاسبةِ تكلفة الترددِ والتهاون مِن الحكوماتِ السابقة، مع قُطّاع الطرقِ في موانئِ وحقولِ النفط، ماذا كلّف الشعبَ الليبي مِن خسائرَ فادحةٍ، كلّفته حسبَ التقريرِ المذكور  ستينَ  مليار دينارٍ إلى نهاية عام 2014م، والضعفاءُ والفقراء من  عامة الناس هم الذين  يدفعون ما ترتب على اختطاف النفط من أعباء كبيرة، ويتحملون الآن (الفاتورة) الباهضة لهذا العمل الإجرامي؛ ارتفاع الأسعار وشدةَ العيش، وقلةَ ذات اليدِ، وانعدامَ الرعايةِ الخدمية والصحيةِ، التي صارت اليومَ ترهق كل طبقات المجتمع، في الوقت الذي لا تزال الأموالُ مُهدرةٌ، والخسائرُ والدمارُ للقطاعِ النفطي مستمرّ، والبلدُ مهددٌ - حسبَ تقريرِ ديوان المحاسبة - بالإفلاسِ، وقد يلتجئُ للاقتراضِ بالربا، آقول وحينَها ستنفتحُ علينا أبواب جهنم، جبهةُ حربٍ جديدة، هذه المرة معَ السماءِ، لا تُبقِي ولا تذرُ، (يا أيها الذين آمنوا اتَّقُوا اللهَ وذرُوا مَا بقِيَ مِن الرّبا إنْ كنتم مؤمِنِينَ فَإن لمْ تفعَلُوا فَأْذَنُوا بحربٍ مِن اللهِ ورسولِه).

أمّا عن الانتهازيينَ الّذين وَرَدَ السؤال عنهم، ويقومون بتوصيل الكهرباء مِن جهتينِ، ففعلهم هذا مِن السرقة والتعدّي على حقوقِ الآخرين، ولا يَرضَى بهَذا شريفٌ ذو إنصافٍ، فضلًا عن مسلمٍ؛ قال تعالى: (ولَا تَعتَدُوا إنّ اللهَ لا يُحبُّ المُعتدينَ).

والسؤالُ الذي مِن حق كل مواطن أنْ يسألَه ؛ لماذا رجع الانقطاع الطويل للتيار الكهربائِي الآن فقط بعد الاتفاق على الهدنة والمصالحة في المنطقة الغربية؛ ليعمّ الظلامُ الدامس العاصمةَ مِن جديدٍ، بعدَ أنْ تخلّصت مِنه بفضلِ الله، عَقب خروجِ العصاباتِ مِن طرابلسَ؟

هل عادَ قُطّاع الطرقِ للعملِ تحتَ غطاءِ الهدنةِ وحقنِ الدماء؟!

 

الصادق بن عبد الرحمن الغرياني

16 رجب 1436 هـ

الموافق 4 مايو 2015 م

 

التبويبات الأساسية