الجيش والشرطة ... كلمةُ إنصاف

بسم الله الرحمن الرحيم

 

إقامةُ مؤسسةِ الجيشِ والشرطةِ على عقيدةٍ سليمةٍ، ولاؤُها لله ثم للوطنِ، هدفٌ مِن أهدافِ هذه الثورةِ المباركة، ينبغِي أن يُدعَم بكلّ قوةٍ، وأن يُسندَ تأسيسُها إلى الأوفياءِ الأمناءِ، ذَوِي الخبراتِ المتمكّنين، (فأهلُ مكةَ أدرَى بشعابِها).

  وإني لأُحيّي الضباطَ الشرفاءَ، في المؤسَّستينِ العسكريةِ والأمنيةِ، الذين كانوا أيامَ القذافي يدرَؤُون ما استطَاعُوا عن الأبرياءِ، ويتحمَّلون الأذَى في سبيلهم، وكانوا في أثناءِ التحريرِ جنبًا إلى جنبٍ مع الثوارِ، يدافعونَ عنهم، ويقاتِلون معهم، ويمدونهم بكل ما يحتاجون إليه مما يخذل عدوهم.

أفخرُ بهم، وأشُدُّ على أيديهم، وأُدِينُ وأستنكِرُ كلَّ اعتداءٍ عليهم، وأدعُو كلّ مَن أساءَ إليهم، أن يتوبَ إلى الله، ويندمَ ويعودَ إلى رُشده.  

هؤلاءِ يجبُ أن يُحترَموا ويُقَدّرُوا ويُكافَؤُوا، ويُعطَوْا تَرقياتِهم المتأخرةَ دونَ تسويفٍ، ومَزاياهم التي يستحقونَها دون تأخيرٍ، وأنْ تُحَلَّى صدورُهم بالأوسمةِ والنَّياشينِ.

وعليهم أن يلتحقوا بأعمالهم، بحرصٍ ومِهنيةٍ وصدقٍ وإخلاصٍ؛ لحفظِ دماءِ الناس وأموالِهم وأعراضِهم، فعملُهم مِن أعظم العباداتِ والطاعاتِ، التي تُقرب إلى الله، أفضلُ عند الله - إن أخلصوا - مِن التطوعِ بالحجّ والعمرة، والصيامِ والصدقةِ والصلاة، وقد جاء في السنة من حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "عَيْنَانِ لَا تَمَسُّهُمَا النَّارُ  عَيْنٌ بَكَتْ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ، وَعَيْنٌ بَاتَتْ تَحْرُسُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ".

لقد استُغِلَّ اسمُ هذه المؤسسةِ الحيويةِ العريقةِ، التي لا يختلفُ اثنان على أنّه لن تقومَ دولةٌ في الدنيا بدونِها، وعَبَثَ بها كلُّ مَن أُسندَ إليهم بناؤُها، على مدَى حكومتين مُتعاقبَتين، فثَبَّتوا أركانَهم، وصَرفُوا باسمِها الأموالَ الطائلةَ؛ اشتَرَوا بِها الذمَمَ والولاءاتِ والتحالفاتِ، ودمَّروا المناضلينَ الشرفاءَ من الثوارِ، في بنغازي وفي غيرِها، وفرّقوا صفوفَهم، وتشَبَّثوا بأماكِنِهم مع عجزِهم، يتفرجونَ على الجريمةِ المنظمةِ، والسطوِ المسلح، رافعينَ هذا الشعارَ؛ (الجيش والشرطة)

فدمَّروا الجيش والشرطة، باسمِ الجيشِ والشرطة!!     

ومَن كان مِن هذه المؤسسة العسكرية والأمنية، متَّهَما في جناية سابقة أيامَ القذافي، أو لاحقةٍ بعدَه، أو ظلمٍ لأحدٍ، فيجبُ تقديمُه للعدالةِ والقصاص؛ لأنّ الله تعالى يقول: (ولكمْ فِي القصاصِ حياةٌ).

   أمّا الانقلابُ على الشرعيةِ بقوةِ السلاحِ، مِن أيِّ أحدٍ، فهوَ بغْيٌ وعدوانٌ، يجبُ على الناسِ جميعًا أنْ يتصدَّوا له، ولا يسمَحوا به، ولا يسمَحُوا بسرقة ثورتِهم المُظفَّرةِ، ودماءِ شهدائِها الأبرارِ، لمَن يأتِي على ظهرِ دبابةٍ في بنغازِي، أو غيرها مِن المدن، مهمَا كانت الشعاراتُ التي يرفعُها، فإنّه خداعٌ وزيف لا تغتروا به، لا يختلفُ عن شعاراتِ انقلابِ القذافي عام 69، أو غيرِه ممّن أتَى بعدَه، وفي التاريخِ عبرةٌ.

   بل يُقال لحفتر، ولمن يُساندُه مِن العسكريّينَ، والسياسيّين المتقاعدِين والنفعيّين، والحالِمين بالنفوذ والسلطانِ، وللإعلاميّين المُغْرضين، وللمخدوعينَ مِن عامةِ الناسِ بالإعلام المُضلِّل، يقالُ لهم جميعًا: عقاربُ الساعةِ لن تعودَ إلى الوراءِ، وإن كُنْتُمْ تريدونَ الإصلاحَ فمِن خلالِ مؤسساتِ الدولةِ، لا باغتصابِ السلطةِ، وتنصيبِ أنفسِكم أوصياءَ على الوطنِ بقوةِ السلاح، خلفًا عنِ القذافي.

    تدكُّونَ وتُسانِدون مَن يدُكّ المدنَ بالقاذفاتِ جوًّا وبَرًّا، تذهبُ قاذفاتُكم بعشراتِ الأرواحِ البريئةِ، في عملٍ إرهابِيٍّ دموِيّ شنيعٍ، باسمِ مكافحةِ الإرهاب.

الإرهابُ لا يُقاوَمُ بإرهابٍ أفظعَ منهُ، يا سَاسَةُ يا مُخَضْرَمونَ يا مُسلِمون  يا وطَنيونَ، بل يُعالَجُ في كلّ الدنيا بفرضِ القانونِ.

 

وصلى الله علي سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

 

الصادق بن عبد الرحمن الغرياني

الجمعة 22 شعبان 1435 هـ

الموافق 20 يونيو 2014م

 

التبويبات الأساسية