بمناسبة العيد

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

 

بمناسبةِ عيدِ الأضحى المبارك؛ أهنّئُ أبناءَ الشعب الليبي الكريم، وأدعُو اللهَ العظيمَ الجليلَ، أن يتقبلَ النُّسكَ والطاعاتِ، وأنْ يشفيَ المرضى والجرحَى، ويكتبَ مَن ماتَ دفاعًا عن حقٍّ أو عِرضٍ أو مالٍ؛ في الشهداءِ الأبرارِ.

 وأهيبُ بكلِّ مسلم في ظل الظروف التي نمر بها أن يتقي غضب الجبار، فلا يتعرض لاختطافٍ على الهوية، أو انتهاك حرمات بيت.  

كما أهيب بكل من لديهِ معتقَلٌ اعتُقلَ لشبهةٍ، أو خلافٍ فِكريّ، أو أيديولوجيّ، ولم يتورّطْ في جنايةٍ، أن يُخليَ سبيلَه، وألّا يكونَ معتقِلُوهُ سببًا في حرمانِهِ مِن ذَويهِ وأولادِه في هذا العيدِ، فإنّه لا شيءَ أشقُّ على الأهلِ والأمَّهاتِ والأولادِ، مِن فَقدِ عزيزٍ عليهم في أيامِ العيدِ، يشعرونَ أنّه مظلومٌ محبوسٌ عنهم، مغلوبٌ على أمرِه مقهور ، فدعوةُ المظلومِ ليسَ بينَها وبينَ اللهِ حجابٌ؛ كما صحَّ عن النبي صلى الله عليه وسلم، يقولُ الباري عزّ وجلّ عن دعوة المظلوم : (وعِزتِي وجَلالِي لأنصرَنّك ولو بعدَ حِينٍ)، فاتّقِ يا عبدَ الله دعوةَ المظلومِ.

 وأُذكّرُ غُرَف الثُّوارِ في هذا الوقتِ بأمرينِ هامَّين:

الأول: أقول لهم، ولكلّ طالبِ حقٍّ، يقينٌ لّا يُخالجُه شكٌّ، أن أهلَ الحقّ لن يُغلَبوا مِن قِلةٍ في عددٍ ولا عُددٍ، مَا أخلَصوا العملَ لله؛ لأنّ هذا وعدُ اللهِ الذي لا يتخلَّفُ، ولَا يخذلون ويغلبون إلّا مِن الفُرقَةِ والتنازعِ وشَقِّ الصفِّ، فاحذَروا التنازع والفُرقَةَ، فقد ذكر الله التنازع في القرآن مقرونا بالعصيان والفشل، قال تعالى: (ولَا تَنازَعُوا فتَفشَلُوا)، وقال سبحانه: (حتَّى إذا فَشلتُم وتَنَازعتُم في الأمرِ وعصيتم). 

ومَن عُرفَ فضلُه وسبقُه وحرصُه على إنجاحِ هذهِ الثورةِ المباركةِ، ببذْلِه نفسَه أو مالَهُ لنُصرةِ أهلِ الحقّ، وكثُرَ صوابُهُ؛ لا يحُطُّ مِن قدرِه مخالفَتُه لغيرِه في اجتهادٍ اجتهدَه، وإنْ أخطأَ، فليستْ لأحدٍ عصمةٌ بعدَ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، والمخطِئُ في مثلِ هذا مأجورٌ أجرًا واحدًا، والمصيبُ مأجورٌ مرتينِ.

 الأمرُ الثانِي: أذكّرُهم بأنّهم مُطالَبونَ باليقظةِ التامّة، في المحافظةِ على ما اكتسبوه، فلا يُدرِكهُم الفتورُ والمَللُ ويتفرّقُوا؛ فالمحافظَةُ على مَا اكتسبُوه أعزُّ مِن نَيْلِه، ولا يتمُّ لهم ذلكَ إلَّا بالتعاونِ مع الأجهزةِ الأمنيةِ على تأمينِ أرواحِ الناسِ وممتلكاتهم، مِن الحرقِ والنهبِ والتخريبِ، وأن يبذلُوا قُصارَى جهدِهِم في ملاحقةِ المجرِمينَ، والأخذِ على أيدِي المفسدينَ، فلا يسمحوا للمنتسبين إليهم أو لغيرهم بالتمركز في استراحات مدنية، تتحول مع الوقت إلى أوكار للفساد والفجور، فيقعوا فيما قاموا غضبةً لله من أجله، ويستبدلوا ظلما بظلم، ويحل بهم ما حل بمن كان قبلهم (وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد) فإقامة الكتائب المسلحة ينبغي أن تقتصر على المعسكرات، لا المقرات المدنية والاستراحات داخل المدينة وفي المزارع.

وأن يقومُوا مِن خلالِ غرفةٍ مشتركةٍ للثوار في المدنِ الرئيسةِ بتأمينِ الطرقاتِ، والسفاراتِ الأجنبيةِ، والمؤسّساتِ المالية والخدميةِ، التي تُستهدَفُ بالسرقةِ والنهبِ وافتعالِ الأزماتِ، حتّى يشعرَ الناسُ بالأمنِ، وتعودَ الحياةُ الطبيعيةُ إلى المدنِ؛ لترجعَ البعثاتُ الدبلوماسيةُ، والعمالةُ الأجنبيةُ الفنيةُ والصحيةُ، وكذلك الشركاتُ الأجنبيةُ، التي تُسهمُ في الإعمارِ والصيانةِ والبناءِ، إلى أعمالِها ومواقعِها.

 فالقيامُ بتأمينِ حياةِ الناسِ على هذا النحوِ، ومنعِ الظلمِ عنهم في الوقتِ الحاضرِ، مِن أفضلِ العباداتِ، وأعظمِ القرباتِ، لِمَن قام بها أو كان سببا فيها، فعدْلُ ساعةٍ في الأرضِ، أفضلُ عندَ الله مِن عبادةِ سنةٍ.

 ومِن الظلمِ البَيِّنِ - المطالبينَ بالتصدّي له - تعطيلُ الخدماتِ الحيويةِ والمرافقِ السياديةِ في الدولةِ، مثل مصادرِ الطاقةِ، أو حقولِ النفطِ وموانِيه، أو الخدماتِ الصحيةِ في المستشفياتِ، مِن أجلِ المطالبةِ بالوظيفةِ، أو تحسينِ الأوضاع؛ لِما في ذلكَ مِن الفسادِ الكبير، والضررِ البالغِ بالمصالِح العامّة، مِن أجلِ مصلحةٍ شخصيّةٍ محدودةٍ، ومِن الظلمِ  البيِّن أيضًا؛ التعصبُ لِمن يفعلُ ذلك، بحمايتِهِ والدفاعِ عنهُ في مواجهةِ الدولةِ، أو التسترُ عليهِ باسمِ القرابةِ أو الجهةِ أو القبيلةِ، فقدْ حذرَ النبيّ صلى الله عليه وسلم مِن هذا الفعل الشنيع بقوله: (مَن آوَى مُحدِثًا فعليهِ لعنَةُ اللهِ والملائكَةِ والناسِ أجمعينَ، لا يُقبَلُ منهُ صرفٌ ولا عدلٌ).

 

الصادق بن عبد الرحمن الغرياني

الثامن من ذي الحجة 1435 ه

ـالموافق 2 أكتوبر 2014 م

 

التبويبات الأساسية