هل يتحقق الهدف

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ 

 

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.

أما بعد:

      فإن الكلام هذه الأيام يتردد عن مشروع قرار للحكومة بإيفاد أربعين ألفًا من الشباب، بالإضافة إلى ستة عشر ألفا آخرين من هيئة شؤون المحاربين بصفة خاصة، إيفادهم إلى الخارج لمدة سنة، بميزانية هائلة، تقدر بمليارات من الدينارات، والهدف من هذا المشروع - كما يقول الداعون إلى عرضه على المؤتمر الوطني العام لإقراره - هو تحقيق غايات متعددة، أهمها:

1. تأهيل الشباب واستفادة البلاد منهم في مستقبل الأيام.

2. تقديم الحكومة والجهات المعنية بالناحية الأمنية مشروعًا عمليًا يساعد على تحقيق الأمن، وقيام الدولة، والتخلي عن السلاح.

ولعلَّ روح المشروع وفحواه ودوافعه الحقيقية هو هذا الأمر الثاني، لا الأول.

  على الأقل لأن الهدف الأول - وهو تأهيل الشباب - تنقصه الدراسة الجادّة المستفيضة، التي يُفترض أن تسبق أي مشروع تنموي لتأهيل الكوادر البشرية، دراسة تحدد المرحلة الزمنية المستهدفة للخطة واحتياجاتها، ونوع التأهيل المطلوب لها، وإعداد المؤهَلين، ودرجة تأهيلهم في كل تخصص، لا إصدار قرار بتحديد عدد إجمالي عشوائي، مبني على عموميات ليس لها قاعدة بيانات، ولا إحصائيات وميزانيته تقدر بالمليارات !!

هذه أوَّليات في التخطيط لأي مشروع يراد له النجاح، لا أظن أنه يختلف عليها اثنان، وإلا علينا أن نتوقع المفاجآت، مفاجآت قد تكون تكلفتها باهظة؛ شباب في عمر الورود.

   فقدان مثل هذه الدراسة، والتخطيط المبني على أسسٍ علمية إحصائية صحيحة يجعل إيفاد هذا العدد الكبير من الشباب إلى الخارج عملا أشبه بالعبث، قد يُضيع الشباب، ويضيع الأموال، ويجعله لا يختلف عن تجربة سابقة عرفت بـ(مكافآت الثوار)!.

   التجربة السابقة لمكافآت الثوار تَبين منها: أن الثوار الحقيقيين أهل الأمانة والصدق؛ مَن عَلم منهم أنه ليس صاحب حق في تلك المكافآت بمقتضى القانون، توقف وتعفف ورد المال إلى خزينة الدولة حتى بعد أن صرفه وهو محتاج إليه، وغيرهم انزلقوا، وزوروا الأوراق والشهادات، وتكررت استفادتهم من المكافأة مرارًا على خلاف القانون، وذلك لعدم توفر الدراسة اللازمة وعدم وجود قاعدة بيانات صحيحة.

والنتيجة؟

   النتيجة أن الهدف الذي من أجله استُميل الثوار بالمكافآت لا يزال بعيدَ المنال، فيُخشى في هذا المشروع الجديد للإيفاد من تكرر الخطأ، وتكرر الفشل، فمن لا تتوفر فيه الشروط للإيفاد - في ظل فقدان الضبط والربط، وعدم دراسة وافية لجدوى المشروع - قد يشتري الشهادات والمسوغات ويخرج اسمه موفدا إلى أكثر من بلد، وقد يعهَد بسلاحه إلى صديقه إلى حين رجوعه من بلد الإيفاد، إن قدر الله له الرجوع، فهل يتحقق الهدف؟!.

 

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

 

الصادق بن عبد الرحمن الغرياني

 مفتي عام ليبيا

الأربعاء 26 رجب 1434 هـ

الموافق 5 يونيو 2013 م

 

التبويبات الأساسية