المُستضعَفونَ مِن المسلمينَ، مَن لِحقوقِهم ؟ 2. مسؤوليةُ المَحكومِ.

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 عندما نُشر الجزءُ الأول من هذا المقال (مسؤولية الحكام)، قيل: أنت تعلمُ أنّ ما يُطلبُ من حكام المسلمين لنُصرة المستضعَفين معظمُه لا يتحققُ، وما يعانيه أهلُ فلسطينَ على مدى عقودٍ عديدةٍ خيرُ دليل، فما الحلّ؟ وما البديلُ؟

لعلّ البديلَ يكمنُ في جملةٍ واحدةٍ مختصرةٍ: ترشيدُ الشعوبِ حتى تقومَ بدورها.

عددُ المسلمين في العالمِ يقربُ مِن مليارٍ ونصفٍ، فهم لا يشكُون من قِلة، ولكن كما قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: (غثاءٌ كغثاءِ السيل)، يشكُون من السلبيةِ وغيابِ الترشيدِ.    

اليهودُ لا يزيدون على خمسةٍ وعشرين مليونًا في العالم، يتحكّمون في المالِ، وفي الإعلامِ، وفي السياسةِ، يتحكمونَ في قراراتِ وانتخاباتِ أقوى دولةٍ مهيمنةٍ على العالم.  

هذه الشعوبُ الكبيرةُ التي تمثل بلاد المسلمين، أغلبُها شعوبٌ مستهلِكة لِما تُنتجه وتصدّره مصانعُ البلدانِ القوية، التي هي إمّا داعمة للاضطهاد بقرارات جائرة، أو بعرقلة قرارات دولية، وإمّا داعمةٌ دعمًا مباشرًا بعتادها وجيوشها.   

وإمّا - على أضعفِ الأحوال - لها من الهيمنة عندما تريدُ أن تغضّ النظرَ عن اضطهادِ الضعفاء، فلن يقدرَ أحدٌ أن يخرجَ عن طوعِها، وينصرَ المظلوم.

 فلو كان هناكَ ترشيدٌ للمؤسساتِ المالية، ولرجالِ الأعمال، ولعامةِ الناس في بلادِ الإسلامِ بدورهم، وتنبيهٌ لهم إلى أنّ لديهم بأيدِيهم سلاحًا فعّالًا معطَّلا؛ فسلاحُ الاقتصادِ والمالِ والتجارةِ، وإقامة المشاريعِ والتنميةِ في بلادهم؛ يجبُ أن يكونَ نصيبُ كلّ دولةٍ فيه، متوقفًا على موقفِها مِن قضايا المسلمِين.

 

فمثلًا؛ هناك الآن قضايا ساخنةٌ، يشعر الناس نحوها بالمرارةِ والذلّ، ولَا يُنصرون..

أقلياتٌ مسلمةٌ مستضعفةٌ في بورما تُقتلُ وتهَجّر..

فلسطينُ محتلةٌ من قِبل اليهود، ويُفرض على أهلِها حصارٌ خانقٌ، ومَن يكسِر الحصارَ يعاقبهُ اليهودُ، ومجتمعٌ دوليٌّ يحمي هذا الحصار!! 

في سوريا؛ حاكمٌ مستبدٌّ يقتلُ شعبَه، وإيرانُ تدعمه بالعتاد والمال والرجال، ودولٌ كبرى تتقاسمُ الأدوار؛ الغربيُّ منها يمنعُه السلاح، والشرقيّ يقفُ دونَ اتخاذِ القرار، مع إمدادِ الظالمِ بالسلاحِ..

والمسلمون في غفلةٍ وسَكرةٍ، يدعمونَ اقتصادَ الفريقينِ في الغربِ والشرقِ، ولا يشعرون !!    

حتى تكونَ للشعوبِ قدرةٌ على نصرةِ المُستضعَفين - كما أمر الله - يمكنها أن تقوم بدور حقيقيّ، يبدأُ بحملاتٍ إعلاميةٍ تدعو إلى وضعِ منتجاتِ هذهِ الدول الصناعيةِ المتورّطةِ في العدوانِ وشركاتِها، وكذلك شركاتُ كلّ مَن يساندُها ويقف معها، في قائمةِ المَمنوعاتِ. 

فلا تُعقد معهم الصفَقاتُ...

ولا تُلبى لهم دعواتُ التعاونِ...

ولا تُقبل مِنهم المنحُ، ولا الضّيافاتُ، حتى يراجعوا أنفسَهم.

الدولُ الصناعيةُ تمرّ بأزماتٍ ماليةٍ وأزمات بطالَةٍ، لن تصمُدَ طويلا أمامَ شعوبِها، لو دخلتْ عقوبةُ الاقتصادِ الميدانَ.  

ولن تكونَ لدعوةِ الترشيدِ الاقتصاديّ بين المسلمين جدوى، إلّا إذا صدرَت بها توصياتٌ مِن علماءِ الأمةٍ، مثل المجلسِ الأعلَى لعلماءِ المسلمين، وهيآتِ كبارِ العلماءِ في العالمِ الإسلاميّ، والمجامعِ الفقهيةِ الدوليةِ والمحليةِ، ومِن المؤسساتِ المدنيةِ لحقوقِ الإنسان في بلادِ المسلمين.  

وهوَ أمرٌ قد يتعيَّنُ عليهِم القيامُ بهِ، حينَ تتوقفُ عليهِ نُصرةُ المستضعَفين في بلادٍ عديدةٍ، بها أقليّات مضطهَدةٌ؛ منها بورما وغزة، وكذلك في المدنِ السوريةِ التي تُدمَّر كلّ يوم، وتُدك على رؤوسِ أهلِها، فإن اللهَ تعالى سائلٌ العلماءَ عنِ البيانِ، والأمراءَ عن التغافُلِ والخذلانِ.

ولو كان ما نحنُ فيه هو حالُ اليهودِ، لَمَا تردّدوا في مثلِ هذا الحصارِ، ولَا في أكثر منه.  

لو فعلَ المسلمونَ هذا لحسبَ لهمُ العالمُ حسابًا، ولفرَضوا احترامَهم على الأُمم، ولتغيّرتِ الموازينُ.  

      

الصادق بن عبدالرحمن الغرياني.

الإثنين 22 شعبان 1434 هـ

الموافق 01-07-2013 م

 

التبويبات الأساسية