الاستعانة بالمشركين في قتال فئة باغية من المسلمين

السؤال: 

هل تجوز الاستعانة بالمشركين في قتال فئة باغية من المسلمين؟

الجواب

لا تجوز الاستعانة بكافر في القتال([1])، فعن عائشة رضي الله عنها أن رجلا من المشركين لحق بالنبي صلى الله عليه وسلم ليقاتل معه فقال: (فَارْجِعْ فَلَنْ أَسْتَعِينَ بِمُشْرِكٍ)([2])، وتجوز الاستعانة به في الخدمة والأعمال والصنعة ، كحفر خندق ، أو هدم حصن ، أو إصلاح مركبة ، ونحو ذلك ، فإن تطوع من عند نفسه دون أن نطلب منه العون ، لم يمنع من القتال مع المسلمين في سماع يحيى، خلافا لأصبغ، حيث قال بالمنع مطلقا، لحديث عائشة المتقدم ، وقال ابن العربي: إن كان في ذلك فائدة محققة ، فلا بأس به([3]). قال ابن حبيب: ما قيل من المنع إنما هو في الصف والزحف، أما في الهدم والمنجنيق ونحوه فلا بأس، وقال أيضا: لا بأس أن يستعين بمن سالمه على من حاربه([4]).

 

[1])      عدم جواز طلب الاستعانة بالكافر هو قول المالكية وإحدى الروايتين عند الحنابلة، لحديث عائشة الآتي، والرواية الأخرى جواز الاستعانة بالمشرك بشرط أن يكون حسن الرأي في المسلمين مأمونا عليهم، وهو قول الشافعية، لقول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث أبي هريرة: (إن الله ليؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر) البخاري حديث رقم 3062، قال ابن بطال: والفاجر يعم المسلم والكافر. ولما رواه مالك في الموطأ عن ابن شهاب مرسلا: أن صفوان بن أمية شهد مع النبي صلى الله عليه وسلم حنينا والطائف وكان مشركا، انظر الموطأ 2/544، قال ابن عبد البر: والحديث وإن كان مرسلا، فشهرته أقوى من إسناده، وابن شهاب إمام أهل السير وعالمهم. ويدل لذلك أيضا أن المنافقين كانوا يغزون مع النبي صلى الله عليه وسلم وهو يعلم نفاقهم وكفرهم ولم يمنعهم. وأخرج أبو داود في المراسيل أن النبي صلى الله عليه وسلم استعان بناس من اليهود في حربه فأسهم لهم، انظر المراسيل 1/224.

         وقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ارجع فلن أستعين بمشرك) وإن كان أصح من حيث الرواية، فإنه كما قال ابن بطال: هي قضية عين خاصة بذلك الوقت، لا عموم لها، بدليل استعانة النبي صلى الله عليه وسلم فيما بعد بغير المسلمين، ويشهد لكونها قضية عين ما ذكره القرافي في الذخيرة أن منع النبي صلى الله عليه وسلم للرجل إنما ليكون سببا في إسلامه، حيث تفرس فيه صلى الله عليه وسلم ذلك، انظر شرح ابن بطال 5/222، الذخيرة 3/406.

         وإذا خرج المشرك فإنه يُرضخ له ولا يُسهم، فقد أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم صفوان بعد حنين إبلا كثيرة، حتى إنه أسلم وقال: لا يعطي هذا إلا نبي.

         وقيد الحنفية جواز الاستعانة بالمشركين بما إذا كان حكم الإسلام هو الظاهر، أو اضطر المسلمون إلى الاستعانة بهم، ولا يقسم لهم من الغنيمة.

         هذا كله في حال الاختيار، أما عند الضرورة، وخوف المسلمين من أن يجتاحهم العدو فتجوز الاستعانة بهم لقول الله تعالى: (وقد فصل لكم ما حرم عليكم إلا ما اضطررتم إليه)، نص على ذلك الشافعية والحنابلة.

         ففي شرح منتهى الإرادات قال: (... إلا أن تكون هناك ضرورة، كعجز أهل الحق عنهم، وكفعلهم بنا إن لم نفعله بهم، فيجوز رميهم بما يعم إتلافه إذا فعلوه بنا لو لم نفعله، وكذا الاستعانة بكافر)، شرح منتهى الإرادات 3/390.

         وفي أسنى المطالب 4/115: (تحرم الاستعانة عليهم بكافر، ولو ذميا ... نعم يجوز الاستعانة بهم عند الضرورة كما نقله الأذرعي وغيره عن المتولي، وقالوا إنه متجه).

         انظر المبسوط 10/138 ، وبدائع الصنائع 7/101 ، وفتح القدير 6/108 ، والمدونة 1/224 ، والأم 4/276 ، وأسنى المطالب 4/115، والمغني 8/414، وشرح منتهى الإرادات 3/390.

[2])     مسلم 3/1450 ، حديث رقم 1817 .

[3])      أحكام القرآن 1/351 ، وحاشية الدسوقي 2/178 .

[4])      الذخيرة للقرافي 3/406.

تاريخ الإجابة: 
الأربعاء, أغسطس 10, 2011

شوهدت 10980 مرة

التبويبات الأساسية