بعثةُ الأممِ المتحدةِ للدعمِ في ليبيا ... حوارٌ أم اتخاذُ قرارٍ؟!

 بسم الله الرحمن الرحيم

 

بينما الجهودُ حثيثةٌ مع المؤتمر الوطني، لحوار بنَّاءٍ ناجحٍ، يحقن الدماء، ويُرضِي كلَّ الحريصينَ على بناء الوطن، وإقامةِ مؤسساتِه، كانت المفاجأة!

كرَّرَت - للأسفِ - بعثةُ الأممِ المتحدةِ للدعمِ في ليبيا أمسِ القريب في جنيف، مَا وقعَت فيه بالأمسِ البعيد في غدامس (1)، من عدم الإعداد للحوار الناجح والاستعجال به قبل توفر أدواته، فانطبقت على محاولتِها في حوار غدامس (1)، القاعدةُ الشرعية: (مَن استعجلَ شيئًا قبلَ أوَانِه عُوقِب بحرمَانِه)، فلم يَنتُج عن حوارِ غدامس شيءٌ، سِوى ضجةٍ إعلاميةٍ صُدّرت للخارجِ، وشقٍّ للصفّ صُدّر للداخلِ، وعقمت غدامس (1)، فلم يكُن لهَا ثانٍ.

الحوارُ مطلوبٌ شرعًا، نحرصُ عليه، لأن الله تعالى أمرنا به، يقول اللهَ تعالى: (وجَادِلهُم بالَّتِي هيَ أحسَنُ)، ويقولُ: (وَالصُّلحُ خيرٌ)، ويقولُ: (وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ)، لكن الحوار المطلوب هو المُوصلُ إلى جمعِ الكلمةِ ووحدةِ الصفّ، الذي يُقرِّب الفُرقاءَ، لا الّذي يُبعدُ الأقرباءَ!

بعدَ جولةِ المحادثاتِ التي أجراها المبعوثُ الأمميّ مع المؤتمرِ الوطني، كان المؤتمرُ ينتظرُ أن يُطلعَه المبعوث عمَّا تمَّ مِن خطواتٍ للتوافقِ عليها، فُوجِئَ المؤتمرُ بما لم يكُن في الحُسبانِ.
إعلانٌ بقرارٍ أحادِيّ مِن البعثةِ الأمميةِ، أنّه تمَّ الاتفاقُ على بدأِ الحوارِ في جنيف، وتزامَنَ هذا مع بيانٍ منَ الدولِ الكُبرَى يباركُ هذا الاتفاق.

لا يُدرَى اتفاقٌ معَ مَن؟ إذا كانَ المؤتمرُ الوطني العام، الذي يُمثلُ الشرعيةَ الدستوريةَ في ليبيا، لم يسمعْ به إلا مِن الإعلامِ! فأين الاتفاق ؟!!

ثمّ مباشرةً صدرت تصريحات غربية، مِن هنا وهناك، بصفةٍ فرديةٍ، وأخرَى أوروبيةٍ جماعية، تهددُ وتتوعَّدُ الليبيين، تقولُ لهم: هذه آخرُ فرصةٍ لكم، وليس لدينا وقتٌ طويلٌ لانتظارِكم، وكأنّها تقول: اسمَعوا وأطِيعوا وإلا فالطوفان !!

فهل هوَ تهديدٌ بالغزوِ، ووعيدٌ بالعدوانِ، فالله المستعان!!

هل هذا هوَ دورُ الوسيطِ، الحريصِ على إنجاحِ حوارٍ وطنيّ، يحقنُ الدماءَ، ويجمعُ الشملَ؟!

(وَلا يُحْزِنْكَ قَوْلُهُمْ إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ).

هناكَ خطواتٌ أوليةٌ لإنجاحِ أيّ حوارٍ جادٍّ، لا تخفَى عن أيِّ مبتدِئٍ، فضلًا عن البِعثةِ الأمَمية، هي:
- إعدادُ أرضيةٍ مشتركةٍ، ينطلقُ منها الحوارُ.
- آليةٌ يتمُّ بها الحوارُ.
- معرفةُ الأطرافِ المشاركةِ في الحوارِ.
- الأهدافُ المرادُ الوصولُ إليها.
- وأخيرًا؛ أن يكونَ موقفُ الوسيطِ الراعِي للحوار، موقفَ العدلِ مِن الأطرافِ.

لا أنْ يتأبَّى عن الاعترافِ بحكمِ المؤسّسةِ القضائيةِ، لأنه يدعم موقف أحد الأطراف، وهو المُفترَضُ أن يكونَ الداعمَ لبناءِ المؤسساتِ!!

ولا أن يذكرَ - عندما سُئلَ في مؤتمَرِه الصحفيِ بجنيف عن أطرافِ الحوارِ - برلمانَ طبرق، الفاقدَ للشرعيةِ بمقتضَى القانون، مع أن البرلمان تنصلَ مِن الأعضاءِ الذينَ ذهبوا يمثلونَه في جنيف ، ويتأبَّى في مؤتمره أن ينطقَ باسمِ المؤتمرِ الوطنيّ العامّ على لسانِه!!

ولا أن يُسويَ الوسيطُ والمجتمعُ الدوليُّ بينَ الضحيةِ والجلَّاد!!

يُحظِرُ توريدَ السلاحِ على الطرفِ الضعيفِ، ويغضُّ النظرَ عن توريدِ الطائراتِ للطرفِ المتعجرفِ، يدكُّ بها المدنَ والمطاراتِ المدنيةَ، والمجمعاتِ الصناعية.
لكن في النهايةِ هذا طرفٌ أجنبيٌّ، لا نلومُه بقدرِ ما نلومُ أنفسَنَا.

كلُّ المستهدفينَ بالحوارِ، مِن شرائحِ المجتمعِ، أذَكِّرُهُم - والذكرَى تنفعُ المؤمنينَ - بأنهُ صارَ لدينا، بمُقتضَى الحكمِ الدستوريِّ مِن المحكمةِ العليا، وليُّ أمرٍ شرعي وحيدٌ في ليبيا، هو المؤتمرُ الوطني العام، تجبُ طاعتُه ما أطاعَ الله فينا ؛ لقولِ الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ)، ولا يجوزُ الافتياتُ عليهِ وتعدِّيهِ، فكلُّ مَن يُدعَى إلَى الحوارِ من خارجِه، عليهِ إذا وُجّهت إليهِ دعوةٌ لحضورِ الحوارِ، أن يكونَ جوابُه؛ المؤتمرُ الوطني يمثلُني، فهذا هو معنَى طاعةِ وليّ الأمر، التي أمرَنا الله بها، وخلافُ ذلك بالمشاركة بصورةٍ أحاديةٍ، دونَ موافقتِه؛ خروجٌ عليه، وشقٌّ للصفّ.

كما أُذَكّر المدعوينَ إلى الحوارِ في الجبهاتِ من المكلفين من المؤتمر والقوات التابعةِ لرئاسةِ الأركانِ، عليهم أن يكونُوا صفًّا واحدًا يأتمرونَ بأمرِ وليِّ أمرِ البلدِ، المؤتمر الوطني العام لا لِغيرهِ، فإنه لن يظفر عدوكم منكم بشيءٍ أحبَّ إليهِ مِن فُرقَتِكم، وشقِّ صفوفِكم، وما يفعلُه حفتر ببنغازِي، هوَ ما يخططُ لهُ في كلّ مدنِ ليبيا، فاستعينوا باللهِ واصبروا، (وَلَا تَهِنُوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كُنْتُمْ مؤمنين).

 

الصادق بن عبد الرحمن الغرياني
التاريخ 24 ربيع الأول 1436 هـ
الموافق 15 يناير 2015 م

التبويبات الأساسية