الإعلام، لم يُنصِف الزنتان ...

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

الإعلامُ الحكوميّ عندنا شِبه معطّل، وكأنه أُريدَ له أن يكونَ كذلك؛ حتى لا يَسرق أضواءَ الإعلام ( الحر).

فـ(الليبية) و(الوطنية) يشكوان عدم الإمكانات والميزانيات، وسوءَ الإدارة، حتى الهواتف عليهما مقطوعة! والمشاكلُ بهما ما تتوقف إلّا وتبدأ، لذا فليس كل اللوم عليهما في التقصير؛ لأن أيديهما مغلولة.

أما الإعلام (الحُرّ)، الذي يملك الإمكانات والميزانيات والمراسلين، والنقلَ المباشر من أي موقع شاء، فيمكن أن تقول عنه: (أينَ يريدُ نفسَه يجدْها).

له قضايا يتفرغُ لها، ويدخلُ في تفاصيلِ تفاصيلها (المُملّة)، ويتسعُ وقتُه لكلّ من يتكلم فيها؛ مِن العامة، ومِن المُحللين الخاصّة، ويُفسح لهم مِن الوقت خلال نشراتِ الأخبار، حتى تنسى - أحيانا - أنك تتابع الأخبار!

وله قضايا - أي: الإعلامُ - هي في نظرِ الناس ليست بالهيِّنة، كبيرةٌ، خطيرة، مفزعةٌ، مخيفة، تذهب بأرواحٍ بريئةٍ، ينتظرون فيها من الإعلام توجيهًا شجاعًا، ووقفةً قوية واضحةً، وكلمةَ إنصافٍ بيّنة، لا يمرّ عليها الإعلام أصلا، ولا يُبصرُها، أو يمرُّ عليها مرَّ الكرام.

 

تسليحٌ ثقيل مدرَّع؛ لا هو في يدِ الجيش الليبي، ولا يملكُه، حسب تصريح رئيس الأركان المكلَّف، ولا هو مِن غنائم القذافي - التي غنمها الثوار، وصارت لدى الكثيرين منهم مِن أملاكهم - نزلَ بأعداد كبيرةٍ، حسب تصريح رئيسِ الوزراء، الذي كان فيه شجاعًا صريحًا، لم يجاملْ أحدا، ولم يُخْفِ الحقيقةَ.

نزلت هذه الأعدادُ بمدرعاتِها الحديثة؛ لتخوضَ معركةً في قلب مدينة طرابلس، وفي أكثرِ أحيائِها اكتظاظًا بالسكانِ، أحدثَ ذُعرا بينَ الناس، ذكَّرهم بأيام الكتائب الأمنية، وقصفِها العشوائيِّ داخلَ المدن.

لم يمس الإعلامُ (الحرّ) هذا الحدث بالقوة المعتادة منه، ولم يُحلّله بالتفصيلِ، ولم يصف مَن قامَ به بالمليشياتِ، وأنهم خارجون عن القانون، ويريدون فرضَ أنفسِهم ورأيِهم بقوة السلاحِ؛ لِيُهيمِنوا على البلدِ، ويَحلّوا محلَّ اللجانِ الثورية، ويُطنِب في هذا البابِ، ويُبدئ ويعيد، ويفسح المجال في برامجَ على الهواءِ، لمتصلين - في كثيرٍ من الأحيان - يكونون معروفين بأعيانِهم؛ ليعبِّروا عن استهجانِهم لما حدثَ، واستهجانِ مَن قامَ به، وصبِّ جام غضبِهم عليه، وأنه مِن شأنِه أن يُعطلَ قيامَ دولةِ المؤسسات... إلى غير ذلك ممّا تعوَّدناه مِن مُفرداتِ الإعلام الحرّ، في حوادثَ مشابهةٍ، عندما يقومُ مسلحون بقفلِ الطرقات احتجاجًا على أمرٍ من الأمور، حتى لو لم يعتدوا على أحدٍ، ولم تُزهَق أرواحٌ.

الذي يترددُ عن سببِ تفسيرِ صمتِ الإعلامِ عن الحدثِ هذه المرة - على الرغم مِن خطورَته - أن الإعلامَ الحر قسّمَ نفسَه قسمين؛ قسمٌ لم يجرؤْ أن يتكلمَ فيما حدث، لأنّ الأمرَ يتعلقُ بالزنتان! ورأى أنّه لا يملكُ الشجاعةَ ليواجهَهم بالحقيقة، أو يرميَهم بنقيصة، وكأنّ مَن قام بهذا الأمرِ هُم مدينةُ الزنتان!!

وقسمٌ آخرُ من الإعلام لم يتكلمْ، لأنّه معَ منفذي هذا الهجومِ على وفاقٍ، ونَفَسُه تُباركُ هذا الشقاق!

وعلى الاحتمالين فقد ظَلم الإعلامُ الزنتانَ ظلمًا كبيرًا؛ لأنّه - بهذا الصمت وعدم ذكرِ الحقائق - تركَ هاجسًا في قلوبِ الليبيّين عامةً، بأنّ ما قامت به هذه المجموعةُ المسلحةُ مِن زعزعةِ الأمنِ في طرابلس، منسوبٌ إلى الزنتانِ، وتتحملُ كلّ الزنتان تبِعاتِه، دون استثناء، مع أن حقيقةَ الأمرِ - بكل تأكيد - ليست كذلك؛ فإنّي جازمٌ أنّ مَن قامَ بهذا الأمرِ لا يمثلون إلا أنفُسهم، يتبين ذلكَ ممّا قالَه أحدُ مَن أُسر مِن هذه الحملةِ، فقد ذكَرَ عنْ نفسِه أنّه مِن اللواء (32 معزز)، وأنّ معه في الكتيبة التي هو بها الآن حوالي 500 من لواء (32 معزز)، فهذا قطعًا أهلُ الزنتانِ المجاهدة تَبْرأُ منه، وتستهجِن كلّ مَن يقومُ به، كما استهجَنه الليبيونَ عامةً، هذا ما لا شكّ فيه - وإنْ صمتَ عنه الإعلامُ - وأنّ الزنتانَ تصطفُّ مع ثوارِ ليبيا أينما حلُّوا، صفًّا واحدا، ضدّ كلّ خارجٍ عن القانونِ والشرع، ولو كان مِن الزنتان، ولا نتوقعُ منهم غيرَ ذلك، فإن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (مَن أحدثَ حدثًا، أو آوَى مُحْدِثًا، فعليه لعنةُ الله والملائكةِ والناسِ أجمعين، لا يَقبلُ اللهُ منه صَرفًا ولا عَدلًا).

والتبرُّؤُ مِن أمثالِ هؤلاءِ هو النصرةُ التي ارتضاها الإسلامُ، عندما قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم:(انصُر أخاكَ ظالمًا أو مظلومًا، قالوا: يا رسولَ الله؛ ننصرُه إنْ كان مظلوما، فكيف ننصرُه إذا كان ظالمًا؟! قال: تمنعونَه مِن الظلم، وتأخذونَ على يديهِ).

فهل أدركَ الإعلامُ كيف لم يُنصِف الزنتان؟؟!

 

الصادق بن عبد الرحمن الغرياني

25 شعبان 1434 هـ

3 يونيو 2013 م

 

التبويبات الأساسية