"حوار مع من يحرم الانتخابات"

مطوية للشيخ الصادق بن عبدالرحمن الغرياني بعنوان 

"حوار مع من يحرم الانتخابات"

السائل: لا تجوز المشاركة في الانتخابات؛ لأن الباب فيها مفتوح للجميع؛ الغوغاء والعامة، والفساق سيملؤون الكراسي, وهذا حرام؟

إجابة الشيخ: يكثر غير الخيريين إذا امتنع الخيرون, الناس يحرصون بطبيعتهم على البحث عن الأصلح, وعلى الدعاة أن يوجهوهم إلى ذلك ويبصروهم بمن يصلح ويزكوا لهم الخيريين, بالعكس فتاوى تحريم الانتخابات عامل سلبي، يقلل من مشاركة الخيريين، ويستفيد من هذه الفتاوى الغوغاء وأتباع النظام السابق ومن لا يبالون فيخلوا لهم المجال؛ لأن الخيرين هم الذين يتأثرون بالفتوى ويقفون عند الحلال والحرام وما يجوز وما لا يجوز.

السائل: الذي يختار ولاة الأمور في النظام الإسلامي هم أهل الحل والعقد, ولا دخل فيه للعامة ولا للغوغاء ولا للنساء, وهؤلاء كلهم أُعطوا حق التصويت في الانتخابات, فهذا نظام غربي تجب مقاطعته وليس نظاما إسلاميا مضبوطا ومقيدا بأهل الحل والعقد؟

إجابة الشيخ: لم يأت في القرآن ولا في السنة ذكر لأهل الحل والعقد، ولا لأوصافهم، ولا لعددهم، ولذلك العلماء اختلفوا في العدد الذي تنعقد به البيعة اختلافا كثيرا، من القول بأنهم اثنان أو ثلاثة إلى ما شاء الله، واختلفوا في الشروط التي يجب أن تتوفر فيهم, والوارد في القرآن هو الأمر بالشورى (وشاورهم في الأمر) (وأمرهم شورى بينهم) الآية الأولى الخطاب فيها لعموم المسلمين، والثانية مدح لعموم الأنصار، وإن كان أهل الذكر والفضل هم المعنيّون أوّليا بهذا الخطاب دون شك, والنبي صلى الله عليه وسلم كان يقول عندما يشاور أصحابه: ( أشيروا علي أيها الناس) فعمّ في الخطاب ولم يخصص.

لا شك أن هناك آلافا ممن يشتركون تتوفر فيهم شروط العدالة ويصدق عليهم أنهم أهل الحل والعقد، وهؤلاء تنعقد بهم البيعة لأن البيعة تنعقد بثلاثة فما فوق وزيادة مشاركة من لا يستحق، لا تلغي بيعة من يستحق, فإن الزيادة على الشيء بما ليس منه ليست دائما تبطله أصل ذلك الشهادة، فلو أتى صاحب حق بشاهدي عدل، ثم أضاف إليهما آخريْن غير عدلين فإن الحق يثبت بالعدلين ولا ترد شهادة العدلين بزيادة غير العدلين.

السائل: هذا انتخاب على طريقة الديمقراطية العلمانية، المبنية على حكم الأغلبية, لا على تحكيم شرع الله, فالرضا بها رضا بتحكيم غير شرع الله, وذلك كفر, فصارت المسألة من مسائل العقيدة، لابد من منعها؟

إجابة الشيخ: لا بد في الحوار أن تُحدّد المصطلحات ويضبط موضع النزاع, حتى لا يتكلم أحد الأطراف عن شيء, ويتكلم الآخر عن شيء غيره فتضيع الحقيقة.

فالديمقراطية بمعناها العلماني، وهو تحكيم غير شرع الله, ليست هي التي يصوت عليها الخيرون في هذه الانتخابات.

الخيرون يدخلون الانتخابات لتكون لهم الأكثرية, ولتكون لهم القدرة على أن يولى خيارهم وحينها يقدرون على تحكيم شرع الله, ولا يخلصهم من أن تفرض عليهم الديمقراطية العلمانية إلا مشاركتهم بقوة؛ لأنهم إذا تأخروا تقوّى خصومهم، فتكون النتيجة ما تحذرون منه.

فالمشاركة هي الحل، وليس الامتناع, فكراسي المجلس سَتُملأ, شئنا أم أبينا, فإن لم نملأها بأهل الحق ملئت بأهل الباطل، فهل ملؤها بأهل الحق خير أم بأهل الباطل؟

منع المشاركة معناه ملؤها بأهل الباطل، وعندها يعض الجميع أصابع الندم، الذين يفتون بتحريم الانتخابات هم بوعي أو من غير وعي يقدمون خدمة مجانية لمن لا يريدون للإسلام أن يحكم.

السائل: الانتخابات النيابية وافدة علينا من غير المسلمين، وقد أُمرنا بمخالفة اليهود والنصارى؟

إجابة الشيخ: ليس كل وافد من غير المسلمين مردود، فمنه ما يجب على المسلمين أن يأخذوا به ويُشمِّروا على تحصيله، كتعلم الصنائع والعلوم وما تنتفع به الأمة في شؤون الحياة المختلفة، النبي صلى الله عليه وسلم لم يمتنع عن الاستفادة من غير المسلمين، لا في حربه لا وفي سلمه، حَفَر الخندق حول المدينة، والخنادق فارسية أخذها المسلمون من مجوس الفرس.

اتخذ النبي صلى الله عليه وسلم الخاتم لختم الرسائل عندما ما قيل له إن الفرس لا يقبلون الكتاب إلا مختوما، ولبس النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة رضي الله عنهم الجباب الرومية والقلنسوات والأقبية والخفاف والحلل والسراويلات، وإنما كان لباس العرب الإزار والرداء.

دوّن عمر رضي الله عنه الدواوين ورتب السجلات لحفظ أسماء الجند وأعطياتهم، مما يدخل اليوم في علم الإدارة ولم يكن على عهد النبي صلى الله عليه وسلم شيء من هذا، والديوان لفظ فارسي، أخذوه من الفرس، وكل هذا ثابت في صحيح السنة.

ثم كيف نفعل ـ إذا منعنا كل وافد من غير المسلمين ـ بالسيارات والطائرات والهواتف الجوالة والإنترنت واستعمال الفضائيات في الدعوة إلى الله تعالى، فما الذي أحل السيارة، وحرم صندوق الانتخاب الذي يوصلنا لاختيار الأصلح؟

بل كيف نصنع بالأنسولين وما شابهه من الدواء، وكلُّه وافد علينا من غير المسلمين، هل نقول للمرضى: توقفوا، هذا وافد من اليهود والنصارى؟!

السائل: هذه الصورة للانتخابات مخالفة للشورى التي تم بها اختيار الخلفاء الراشدين, ولم يفعلها النبي صلى الله عليه وسلم وليس في السنة ما يدل على مشروعيتها؟
إجابة الشيخ: مع الإشارات الواردة في السنة على خلافة أبي بكر الصديق رضي الله عنه فإن اختياره من الناحية العملية تمّ بمشاورة الصحابة في سقيفة بني ساعدة، حتى إنهم اختلفوا على ذلك في بداية الأمر.

وقال الأنصار: منا أمير ومنكم أمير ثم حسم الأمر ببيعة عمر إياه، وأي فرق بين أن يتم الانتخاب مباشرة، كما حصل في السقيفة، وبين أن يكون الاختيار مكتوبا في بطاقة توضع في صندوق، من أين أتت الحرمة يا ترى؟ من استعمال البطاقة أم من الصندوق؟

وعمر رضي الله عنه طبق الشورى بصورة أخرى جعلها في ستة توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنهم راض ، وأضاف إليهم ابنه ليكون له الرأي دون الخلافة حتى يتأتى لهم الترجيح عند الاختلاف، فهو إقرار لمبدأ الأغلبية ، وجعل عمر لخمسين من الأنصار مراقبة الاختيار، وكون الانتخابات محدثة، لم يأت لها ذكر في السنة، ولم يفعلها النبي صلى الله عليه وسلم لا يصلح دليلا للمنع، لأمرين:

1/ لورود ما يشبهها في السنة ،فقد قال صلى الله عليه وسلم للأنصار ليلة العقبة: ابعثوا لي اثني عشر نقيبا، فانتخبوا له اثني عشر نقيبا من بيوت الأوس والخزرج، واستشار النبي صلى الله عليه وسلم عموم الجيش يوم حنين، وعندما كثر الكلام ولم يتبين له الرأي في رد السبي إلى هوزان، قال لهم: ارجعوا إلى عرفائكم ثم ليرفع إليَّ عرفاؤكم أمركم، فرجعوا ورفع عرفاؤهم أمرهم وقالوا : طيبنا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فرد السبي إلى هوزان، فهو من تمثيل العرفاء للكافة والحديث في البخاري.

 لو سلمنا عدم ورود ما يشبه الانتخابات في السنة فإن السكوت لا يصلح دليلا للمنع، بل السكوت دليل الجواز، فقد قال صلى الله عليه وسلم : (الحلال ما أحله الله والحرام ما حرمه الله وما سكت عنه فهو عفو)(أبوداود:3802)

وكذلك الترك لا يكون دليلا على المنع، فقد صح من حديث عائشة رضي الله عنها :( إن كان النبي صلى الله عليه وسلم ليدع العمل وهو يحب أن يعمله خشية أن يعمل به الناس فيفرض عليهم)(البخاري:1128، مسلم: 1695) وذلك لمصلحة الأمة، وقد ترك صلى الله عليه وسلم بناء الكعبة على قواعد إبراهيم خوفا على الناس وبناها ابن الزبير رضي الله عنه بعده، وترك جمع الناس على قيام رمضان، وجمعهم عمر رضي الله عنه، وترك النبي صلى الله عليه وسلم جمع القرآن، ثم جمعه أبو بكر الصديق رضي الله عنه في خلافته عندما اقتضته المصلحة.

السائل: هناك فتاوى صادرة من عدد من العلماء المشهورين ، منهم الشيخ مقبل الوادعي والشيخ ربيع المدخلي يحرمون المشاركة في الانتخابات، فما تقولون في ذلك؟

إجابة الشيخ : لا أدري الأدلة الشرعية التي يستند إليها الشيوخ الذين ذكرتهم أو غيرهم، ولعلها تدور حول الشبهات التي سبق لك توضيحها، وبعض من ذكرت لهم فتاوى متضاربة في الانتخابات على مواقعهم مرة يكفرون من يقول بها، ومرة يقولون يجوز التصويت للأصلح وهناك عدد كبير من مشاهير العلماء الذين تدور عليهم الفتوى في العالم الإسلامي يفتون بجواز المشاركة في الانتخابات، منهم الشيخ السعدي والشيخ محمد بن صالح العثيمين والشيخ الألباني والشيخ ابن باز وغيرهم، وهؤلاء أكثر شهرة إن كانت المسألة بالشهرة، وما ينقله المانعون عن هؤلاء العلماء الذين ذكرتهم لك فإنما هي عبارات مبتورة من كلامهم عن سياقها لم تنقل بأمانة.

السائل: لعل العلماء الذين أفتوا بالجواز لم يدركوا حقيقة المخاطر والمفاسد المترتبة على الانتخابات، وإلا لما أفتوا بها, وقد يكون السائل لم يبين لهم الحقيقة؟

إجابة الشيخ : القول بأنهم لم يدركوا حقيقة المخاطر المترتبة على الانتخابات وصف غير لائق بهم، وبما عرفوا به من التحقيق والتدقيق, وسعة العلم، ومعرفة الواقع، وهو اتهام من قائله بعدم قدرتهم على تنزيل الفتاوى على حياة الناس, فهل من يحرم الانتخابات اليوم ليمكنوا من رقاب الأمة من لا يخاف الله هو الذي تصور فتواه الواقع؟!!

السائل: الانتخابات من نتائجها الاستفتاء على تحكيم الشريعة الإسلامية، فهل يجوز للمسلم أن يُستفتى هل تقبل الشريعة الإسلامية أو لا تقبلها؟

إجابة الشيخ: الاستفتاء إنما هو على الدستور بجميع ما فيه من مواد، لا خصوص الشريعة الإسلامية، وفيما يتعلق بالشريعة الإسلامية يتفق الليبيون جميعا حتى الأحزاب غير الإسلامية على أن الشريعة الإسلامية هي مصدر التشريع فلا استفتاء في الحقيقة على هذا لكن الذي سيكون موضعا للإقتراع هو النص الذي يعبر عن هذا المعنى، فالتوجهات الإسلامية تريد صيغة محكومة تمنع كل الاحتمالات التي قد تخل بتطبيق الشريعة الإسلامية تطبيقا كاملا، والأحزاب غير الإسلامية لا يعنيها هذا كثيرا، بل الذي يعنيها في الحقيقة هو أن لا تطبق الشريعة الإسلامية، هي تريد فقط أن تضع نصا تُرضي به العامة وما ألجأهم إلى القول بأنها مصدر التشريع إلا أن العامة لا تقبلهم لو لم يرفعوا هذا الشعار والمسلم عندما يقول في الاستفتاء نعم للشريعة للإسلامية بالنص المحكم المضبوط الذي يختاره فإنما يرد على من لا يريدها كذلك، فمشاركة المسلم تدخل في إطار إنكار المنكر لتغييره بالوسائل المشروعة المتاحة، لا في إطار هل أقبل الشريعة الإسلامية أو لا أقبلها

السائل: هل تريدونها دولة دينية أم دولة مدنية

إجابة الشيخ: نريدها دولة مسلمة.

 

 

التبويبات الأساسية